الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
يريد شقت.عبد القيس: غلايل صدورها.وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: زين بضم الزاي قتلُ رفعاً، أولادِهم خفضاً، شركاؤهم رفعاً على التوضيم والتكرير.كأنه لما قال: زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم. تم الكلام. ثم قال: من زيّنه؟ فقال: شركاؤهم أي زيّنه شركاؤهم فارتفع الشركاء بفعل ضمير دلّ عليه زُين، كما تقول: أكل اللحم زيد: كأنه قيل: من الآكل فتقول زيد.قال الشاعر: فزيد مفعول مستقل بنفسه غير مسمّى فاعله، ثم بيّن فقال: ضارع.أي ليبكيه ضارع، وقوله تعالى: {لِيُرْدُوهُمْ} ليهلكوهم {وَلِيَلْبِسُواْ} أي ليخلطوا ويشبهوا {عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه {وَلَوْ شَآءَ الله} هداهم ووفقهم وعصمهم عن {مَا فَعَلُوهُ} ذلك من تحريم الأنعام والحرث، وقيل: الأولاد {فَذَرْهُمْ} يا محمد {وَمَا يَفْتَرُونَ} يختلقون على اللّه الكذب فإن اللّه لهم بالمرصاد ولا يخلف الميعاد {وَقَالُواْ} يعني المشركين {هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} يعني ما كانوا جعلوه للّه ولآلهتهم التي قد مضى ذكرها.وقال مجاهد: يعني بالأنعام، البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، والحجر: الحرام. قال اللّه تعالى ويقولون {حِجْراً مَّحْجُوراً} [الفرقان: 22] أي حراماً حرماً.قال الليث: وأصله من الحجر وهو المنع والحظر، ومنه: حجر القاضي على المفسد.وقرأ الحسن وقتادة: وحرث حجر بضم الحاء وهما لغتان. وقرأ أُبي بن كعب وابن عباس وابن الزبير وأبي طلحة والأعمش: وحرث حرج بكسر الحاء والراء قبل الجيم وهي لغة أيضاً مثل جذب وجبذ.وأنشد أبو عمرو: {لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ} يعنون الرجال دون النساء {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} يعني الحامي إذا ركب ولد ولده. قالوا: حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه {وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا}.قال مجاهد: كانت لهم من أنعامهم طائفة لا يذكرون اسم اللّه عليها ولا في شيء من شأنها لا أن ركبوا ولا أن حلبوا ولا أن نتجوا ولا أن باعوا ولا أن حملوا.وقال أبو عاصم: قال لي أبو وائل: أتدري ما أنعامٌ حرمت ظهورها؟ قلت: لا. قال: لا يحجّون عليها.وقال الضحاك: هي التي إذا ذكوها أهلوا عليها بأصنامهم ولا يذكرون إسم اللّه عليها {افترآء عَلَيْهِ} يعني إنهم كانوا يفعلون ذلك ويزعمون إن اللّه أمرهم به {سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا}.قال ابن عباس والشعبي وقتادة: يعني ألبان النحائر كانت للذكور دون النساء فإذا ماتت اشترك في لحمها ذكورهم وإناثهم.وقال السدي: يعني أخذ النحائر ما ولد منها أُخذ خالص للرجل دون النساء وأما ما ولد ميت فيأكله الرجال والنساء، ودخل الهاء في {خالصة} على التأكيد والمبالغة، كما فعل ذلك بالراوية والنسابة والعلامة.قال الفراء: أُهلت الهاء لتأنيث الأنعام، لأن مافي بطنها مثلها، فأنث لتأنيثها قال: وقد يكون الخالصة كالعاقبة ومنه قوله: {إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار} [ص: 46]، وقرأ عبد الله والأعمش: خالص لذكورنا بغير الهاء ردّاً إلى ما، وقرأ ابن عبّاس: خالصة بالإضافة ويخلص والخالصة والخليصة والخلصان واحد. قال الشاعر: {وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا} يعني النساء {وَإِن يَكُن مَّيْتَةً} قرأ أهل المدينة: تكن بالتاء، ميتةٌ بالرفع على معنى: وإن تقع الأنعام ميتة، وقرأ أهل مكّة: يكن بالياء، ميتة بالرفع على معنى: وإن يقع ما في بطون الأنعام ميتةً، وقرأ الأعمش: تكن بالتاء، ميتة نصباً على معنى: وإن يكن ما في بطون الأنعام ميتة وقرأ الباقون: يكن بالياء، ميتة بالنصب، ردّوه إلى ما يؤيّد ذلك قوله: {فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ} ولم يقل: فيها. {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} أي بوصفهم وعلى وصفهم الكذب على الله كقوله: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب} [النحل: 62] والوصف والصفة واحد كالوزن والزنة والوعد والعدة، {إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ * قَدْ خَسِرَ الذين قتلوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً} الآية نزلت في ربيعة ومضر وفي العرب الذين يدفنون بناتهم أحياء مخافة السبي والفقر، إلاّ ما كان من بني كنانة فإنّهم كانوا لا يفعلون ذلك.وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن وأهل مكّة والشام: قتّلوا، مشدداً على التكثير والباقون بالتخفيف {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله} يعني البحيرة والسائبة والوصيلة والحام افتراءً على الله حين قالوا: إنّ الله أمرهم بها {قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ * وَهُوَ الذي أَنشَأَ} اخترع وابتدع {جَنَّاتٍ} بساتين.
{والزيتون والرمان مُتَشَابِهاً} في المنظر {وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} في الطعم مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف، إحداهما حلوة والأخرى حامضة وقد مرّ القول فيه {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ} ولا تحرّموه كفعل أهل الجاهلية {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قرأ أهل مكّة والمدينة والكوفة حِصاده بكسر الحاء والباقون بالفتح، وهما واحدة كالجَداد والجِداد والصَرام والصِرام واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال ابن عباس وطاووس والحسن وجابر بن زيد ومحمد ابن الحنفية وسعيد بن المسيب والضحاك وابن زيد: هي الزكاة المفروضة العُشْر ونصف العشر.وقال عليّ بن الحسين وعطاء وحمّاد والحكم: هو حق في المال سوى الزكاة.قال مجاهد: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل، وإذا جذذت فألف لهم من الشماريخ، وإذا درسته ودسته وذرّيته فاطرح لهم منه، وإذا كدسته ونقيته فاطرح لهم منه، وإذا عرفت كيله فاعزل زكاته.وقال إبراهيم: هو الضغث، قال الربيع: لقاط السنبل. قال مجاهد: كانوا يعلّقون العذق عند الصرام فيأكل منه الضيف ومن مرَّ به.قال زيد بن الأصم: كان أهل الجاهليّة إذا صرموا يجيئون بالعذق فيُعلّقونه في جانب المسجد فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه ويأخذه.وقال سعيد بن جبير وعطيّة: كان هذا قبل الزكاة فلمّا فرض الزكاة نسخ هذا.وقال سفيان والسدي: سألت عن هذه الآية فقال: نسخها العشر ونصف العشر، قلت: ممّن؟ فقال: من العلماء مقسّم عن ابن عباس: نسخت الزكاة كلّ صدقة في القرآن.{وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} كان رجال ينفقونها بالحرام فيقول الرجل لا أمنع سائلا حتّى أمسي فعمد ثابت بن قيس بن شمّاس إلى خمس مائة نخلة فجذها ثمّ قسّمها في يوم واحدولم يترك لأهله شيّئاً فنزلت {ولا تُسرفوا} أي لا تعطوا كلّه، وقال السدي: لا تُسرفوا لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء، وقال سعيد بن المسيّب: لا تمنعوا الصدقة، وقال يمان بن رئاب: ولا تُبذّروا تبذيراً، مجاهد وعطية العوفي: ولا تتركوا الأصنام في الحرث والأنعام.وقال الزهري: فوقعوا في المعصية، وقال مجاهد: لو كان أبو قبيس ذهباً لرجل فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفاً ولو أنفق درهماً أو مدّاً في معصية الله كان مسرفاً، وفي هذا المعنى قيل لحاتم الطائي: لا خير في السرف فقال: لا سرف في الخير.وقال محمد بن كعب: السرف أن لا يعطي في حق، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الإسراف ما لا يقدر على ردّه إلى الصلاح، والفساد ما يقدر على ردّه إلى الصلاح.قال النضر بن شميل: الإسراف التبذير والإفراط، والسرف الغفلة والجهل. قال الشاعر: قال إياس بن معاوية: ما تجاوز أمر الله فهو سرف، وروى ابن وهب عن ابن زيد قال: الخطاب للمساكين يقول: لا تأخذوا فوق حقّكم.{وَمِنَ الأنعام} يعني أنشأ من الأنعام {حَمُولَةً} بمعنى كلّ ما محمّل عليها ويركب مثل كبار الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير، سمّيت بذلك لأنّها تحمل أثقالهم، قال عنترة: والحمولة الأحمال.وقال أهل اللغة: الفعولة بفتح الفاء إذا كانت يعني الفاعل استوى فيه المذكّر والمؤنّث نحو قولك: رجل فروقة وامرأة فروقة للجبان والخائف، ورجل صرورة وامرأة صرورة إذا لم يحجا، وإذا كانت بمعنى المفعول فرّق بين الذكر والأُنثى بالهاء كالخلويّة والزكويّة {وَفَرْشاً} والفرش ما يؤكل ويجلب ولا يحمل عليه مثل الغنم والفصلان والعجاجيل، سمّيت فرشاً للطافة أجسامها وقربها من الفرش. هي الأرض المستوية، وأصل الفرش الخفة واللطافة ومنه فراشة العقل وفراش العظام، والفرش أيضاً نبت ملتصق بالأرض تأكله الإبل قال الراجز: والفرش: صغار الأولاد من الأنعام.وقال الراجز: {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان} ما حرم الحرث الأنعام {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ثمّ بيّن الحمولة والفرش فقال: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} نصبها على البدل من الحمولة بالفرض يعني واحد من الأنعام ثمانية أزواج أي أصناف {مَّنَ الضأن اثنين} فالذكر زوج والأُنثى زوج والضأن والنعاج جمعه، واحده: ضائن، والأُنثى: ضائنة، والجمع: ضوائن.قرأ الحسن وطلحة بن مصرف: الضأن مفتوحة الهمزة، والباقون ساكنة الهمزة، تميم بهمزة وسائر لا بهمزة {وَمِنَ المعز اثنين} والمعز المعزى لا واحد له من لفظه، وأمّا الماعز فجمعه معيزة وجمع الماعزة مواعز، وقرأ أهل المدينة والكوفة: من المعز ساكنة العين والباقون بالفتح، وفي مصحف أُبيّ: من المعزى، وقرأ أبان بن عثمان: من الضأن اثنان ومن المعز اثنين، قل يا محمد: {ءَآلذَّكَرَيْنِ} حرّم الله عليكم؟ ذكر الضأن {حَرَّمَ أَمِ الأنثيين} والمعز؟ أم أُنثييهما والنصب قوله: {قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثيين} منهما {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} {وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثيين}.وذلك أنّهم كانوا يقولون هذه أنعام وحرث حجر، وقالوا: أمّا في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا، فحرّموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. «فلما قام الإسلام وثبتت الأحكام جادلوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان خطيبهم يومئذ مالك بن عوف وأبو النضر النصري فقال: يا محمد رأينا أنّك تحرّم ما كان أباؤنا يفعلونه؟فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد حرّمتم أصنافاً من النعم على [غير........] إن الله خلق هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها فمن أين حرمت ذكران هذه النعم على نسائكم دون رجالكم؟فإن زعمتم أن تحريمه من أجل الذكران وجب أن تحرموا كل ذكر، لأن للذكر فيها حظاً، وإن زعمتم أنّ تحريمه من جهة الأنثى وجب أن تحرموا كل انثى لأن للأناث فيها حظّاً، وإن زعمتم أن تحريمه لإجتماع الذكر والأنثى فيه وما اشتمل الرحم عليه وجب أن تحرّموا الذكر والأنثى والحي والميّت، لأنَّه لا يكون ولد إلاّ من ذكر وأنثى ولا يشتمل الرحم إلاّ على ذكر وأنثى، فَلِم تحرمون بعضاً وتحّلون بعضاً؟ فسكت. فلما لزمته الحجّة أخذ بالإفتراء على الله فقال: كذا أمرنا الله فقال الله تعالى {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ} حضوراً {إِذْ وَصَّاكُمُ الله بهذا}».{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً لِيُضِلَّ الناس بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين}.
|